معركة عين جالوت وقعت في 3 سبتمبر 1260 م، تعد من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ العالم الإسلامي. انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا على المغول وكانت هذه هي المرة الأولى التي يهزم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان. أدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيا وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية سنة 656 هـ // 1258م. كما وأدت المعركة لتعزيز موقع دولة المماليك كأقوى دولة إسلامية في ذاك الوقت لمدة قرنين من الزمان أي إلى أن قامت الدولة العثمانية. وقعت المعركة في منطقة تسمى عين جالوت عند مدينة بيسان ونابلس بفلسطين.
البداية
اجتاح المغول العالم الإسلامي في بدايات القرن السابع الهجري بقيادة جنكيز خان وكان من أول ما واجهوا في طريقهم دولة الخوارزميين في بلاد فارس وما وراء النهرين، فاكتسحوها وخربوا فيها مدنا وقتلوا خلقا كثيرا، بعد ذلك حكم مونكو خان إمبرطورية المغول عام 1251 م فكان الفعل مشابها تماما في الدولة العباسية. انطلق بعدها المغول بجيش ضخم قوامه 120 ألف مقاتل نحو الشام بقيادة هولاكو معه حلفاؤه من أمراء جورجيا وأرمينيا[1] وابتدؤوا بمدينة ميافارقين بديار بكر والتي كان يحكمها الكامل محمد الأيوبي، قاومت ميافارقين المغول مقاومة عنيفة إذ استمد طول الحصار إلى عامين حتى استسلم أهلها بعد نفاذ المؤن وموت معظم السكان وعدم وصول الدعم من المسلمين فدخلوها وارتكبوا مجازرا تقشعر منه الجلود حيث قبضوا على الكامل محمد الأيوبي وقطعوا جلده وأعطوه له ليأكله إلى أن مات فقطعوا رأسه وحملوه على أسنة رماحهم تشفيا وانتقاما منه لصموده وبطولته.
اتجه المغول بعدها لمدينة حلب فدخلوها بعد حصارها وعاثوا فيها فسادا خلال 7 أيام ثم توجهوا نحو دمشق (في مارس 1260 م/658هـ) -وفي هذا الوقت- وصل بالبريد خبر موت الخاقان الأعظم للمغول منكو خان في قراقورم واستدعي أولاد وأحفاد جنكيز خان إلى مجلس الشورى المغولي (الكوريل تاي Kuriltai) لانتخاب الخان الأعظم الجديد للإمبراطورية؛ فرجع هولاكو (الذي هو أخو منكو خان) وأحد المؤهّلين للعرش بمعظم جيشه إلى فارس، ليتابع أمور العاصمة المغولية، وترك في بلاد الشام جيشاً من المغول عدده يزيد على عشرين ألف جندي (تومانين بلغة المغول) بقيادة أحد أبرز ضباطه واسمه كتبغا نوين النسطوري وهو قائد عسكري محنك من قبيلة النايمان التركية. دخل كتبغا بجيشه دمشق في 1 مارس 1260 م/15 ربيع الأول 658 هـ بعد أن أعطوا الأمان لأهلها ولكنهم خربوها وكان حاكمها الناصر يوسف الأيوبي.انطلق المغول بعد السيطرة على دمشق جنوبا في بلاد الشام حتى استولوا على بيت المقدس وغزة والكرك والشوبك بعد أن تحالف حاكمها المغيث عمر مع المغول.
كان يحكم دولة المماليك في ذاك الوقت المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك وهو صبي صغير يبلغ من العمر 15 سنة، قام السلطان المظفر سيف الدين قطز - وهو من المماليك البحرية- بخلعه بعد إقناع بقية أمراء ووجهاء الدولة بأنه فعل ذلك للتجهيز والتوحد ضد الخطر المحدق بالدولة المملوكية بشكل خاص والمسلمين بشكل عام. كان الوضع النفسي للمسلمين سيئا للغاية وكان الخوف من التتار مستشريا في جميع طبقات المجتمع الإسلامي وقد أدرك قطز ذلك وعمل على رفع الروح المعنوية لدى المسلمين. استمال قطز منافسيه السياسيين في بلاد الشام وحاول ضمهم إلى صفوفه وكان ممن انضم معه بيبرس البندقداري الذي كان له دور كبير في قتال التتار فيما بعد.
ماقبل المعركة
قبل مغادرة هولاكو من بلاد الشام أرسل رسلا لقطز يحملون كتابا كان مما فيه
«مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ.. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم. فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم [2]»
عقد سيف الدين قطز اجتماعا مع وجهاء الدولة وعلمائها كان من بينهم العز بن عبد السلام وتم الاتفاق على التوجه لقتال التتر إذ لا مجال لمداهنتهم، وكان العز بن عبد السلام قد أمر أمراء ووجهاء الدولة أن يتقدموا بنفائس أملاكهم لدعم مسيرة الجيش الإسلامي فطلب قطز الأمراء وتكلم معهم في الرحيل فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل، ولما وجد منهم هذا التخاذل والتهاون ألقى كلمته المأثورة «يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين». وقد اختلى قطز ببيرس البندقداري الذي كان أمير الأمراء واستشاره في الموضوع. فأشار عليه بقتل الرسل، والذهاب إلى كتبغا متضامنين. فإن انتصرنا أو هزمنا، فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين. فاستصوب قطز هذا الكلام، وقام بقتل رسل المغول[3] لإيصال رغبته في قتالهم وأنه جاد بذلك. وقد زاد من عزيمة المسلمين وصول رسالة من صارم الدين أزبك بن عبد الله الأشرفي -وقد وقع أسيرا في يد المغول إثناء غزوهم الشام ثم قبل الخدمة في صفوفهم- أوضح لهم فيها قلة عددهم وشجعهم على قتالهم وأن لايخافوا منهم[4]. فلا شك أن قطز قد أفاد من رحيل هولاكو إلى فارس على رأس معظم جيشه بعد سماعه بوفاة أخيه الخان الأعظم، فمن تبقى بالشام من عساكر المغول تحت قيادة كتبغا يتراوح ما بين 10آلاف إلى 20 ألف رجل[5].
موقف الصليبيين
حاول المغول عبر كتبغا النسطوري التحالف مع مملكة بيت المقدس الصليبية ولكن بابا الفاتيكان منع وحرم التحالف مع المغول. ثم أتت حادثة قتل ابن أخي كتبغا بواسطة الفرسان الصليبين بصيدا فاكتسح صيدا عقابا على ذلك. أما الصليبيون في عكا فقد اتجه قطز إلى مسالمتهم ومهادنتهم, واستأذنهم بعبور جيشه الأراضي التي يحتلونها وطلب منهم الوقوف على الحياد[4] من الحرب ما بين المماليك والمغول. وأقسم لهم انه متى تبعه فارس منهم أو رجل يريد أذى عسكر المسلمين إلا رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتر[6] إلا إن الصليبيين سلموا بأن المسألة هي مسألة وقت ثم يكتسحهم المغول ويدمرونهم كما دمروا غيرهم, فلذلك غضوا الطرف على عبور المماليك أراضيهم ولم يتصدوا لهم. وقد بر على مابدى اولئك الصليبيين بوعدهم فلم يغدروا بالمعسكر الإسلامي من الخلف[7]. في 15 شعبان 658هـ/أغسطس 1260 م خرج قطز يسبقه بيبرس البندقداري ليكشف أخبار المغول. واجهت سرية بيبرس طلائع جنود المغول في منطقة قرب غزة، كان قائد المغول في غزة هو بايدر أخو كتبغا الذي أرسل له كتابا يعلمه فيه بتحرك المسلمين، أخذ بيبرس في مناوشة وقتال المغول حتى انتصر عليهم. اتجه بعدها قطز إلى غزة ومنها عن طريق الساحل إلى شمال فلسطين. في تلك الأثناء اجتمع كتبغا الذي كان في بعلبك بالبقاع مع وجهاء جيشه، فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يعود سيده هولاكو خان[8]، ومنهم من أشار إليه -اعتمادا على قوة المغول التي لا تقهر- أن ينطلق لقتالهم. اختار كتبغا أن يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق باتجاه جيش المسلمين حتى لاقاهم في المكان الذي يعرف باسم عين جالوت.
المعركة
التقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 رمضان 658 هـ/3 سبتمبر 1260 م (وقت وصول الجيشين تماما مختلف فيه). قام سيف الدين قطز بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس وبقية الجيش يختبئ بين التلال وفي الوديان المجاورة كقوات دعم أو لتنفيذ هجوم مضاد أو معاكس. وكان قطز قد اجتمع بالإمراء، فحضهم على قتال التتار وذكرهم بما وقع بأهل الأقاليم من القتل والسبي والحريق، وخوفهم وقوع مثل ذلك، وحضهم على استنقاذ الشام من التتار ونصرة الإسلام والمسلمين، فضجوا بالبكاء، وتحالفوا على الإجتهاد في قتال التتار ودفعهم عن البلاد[5].
قامت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس بهجوم سريع ثم إنسحبت متظاهرة بانهزام مزيف هدفه سحب خيالة المغول إلى الكمين، في حين كان قطز قد حشد جيشه استعدادا لهجوم مضاد كاسح، ومعه قوات الخيالة الفرسان الكامنين فوق الوادي.
وانطلت الحيلة على كتبغا فحمل بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين واخترقه وبدأت المقدمة في التراجع إلى داخل الكمين، وفي تلك الأثناء خرج قطز وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة قوات كتبغا، حيث كانت جيوش المسلمين ينزلون من فوق تلال الجليل، والمغول يصعدون إليهم. ثم هجم كتبغا بعنف شديد إلى درجة أن مقدمة جيش المسلمين ازيحت جانبا، فاستبسل كتبغا في القتال، فاندحر جناح ميسرة عسكر المسلمين وإن ثبت الصدر والميمنة[9]، وعندئذ ألقى السلطان قطز خوذته عن رأسه إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته «واإسلاماه»، وحمل بنفسه وبمن معه حتى استطاعوا ان يشقوا طريقهم داخل الجيوش المغولية مما أصابها بالإضطراب والتفكك[10]. ولم يمض كثيرا من الوقت حتى هزم الجيش المغولي ونصح بعض القادة كتبغا بالفرار فأبى الهوان والذل وقتل بعض أصحابه وجرت بينه وبين رجل يدعى العرينان مبارزة حيث لم يمض وقت طويل عليها حتى سقط كتبغا صريعا مجندلا على الأرض وكان انتصار كبير للمسلمين. وسجل التاريخ في هذه المعركة تمكن فرسان الخيالة الثقيلة لجيش المسلمين من هزيمة نظرائهم المغول بشكل واضح في القتال القريب، وذلك لم يُشهد لأحد غيرهم من قبل. نقطة أخرى ظهرت لأول مرة بتلك المعركة وهي المدفعية وإن كانت بالشكل البدائي إلا إنها استخدمت بالمعركة من جانب الجيش المملوكي لتخويف خيل المغول وارباك الخيالة مما ساعد في خلخلة التنظيم العسكري المغولي بالمعركة. وقد تم شرح تركيبة البارود المتفجرة لتلك المدافع بعد ذلك في الكيمياء العربية والكتيبات العسكرية في أوائل القرن الرابع عشر[11][12].
[عدل] ما بعد المعركة
[عدل] المماليك
بعد المعركة قام ولاة المغول في الشام بالهرب، فدخل قطز دمشق في 27 رمضان 658 هـ، وبدأ في إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية، وتعيين ولاة لها. وأستأمن الأشرف صاحب حمص وكان مع التتار وقد جعله هولاكو خان نائباً على الشام كله، فأمنه الملك المظفر، ورد إليه حمص، وكذلك رد حماة إلى المنصور وزاده المعرة وغيرها. وأطلق سلمية للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتبع الأمير بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان المغول يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان. فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم، ويستفكّون الأسارى من أيديهم[8]. وكان قطز قد أرسل بيبرس البندقداري ليطرد المغول عن حلب ويتسلمها ووعده بنيابتها، فلما طردهم عنها وأخرجهم منها استناب قطز عليها غيره وهو علاء الدين ابن صاحب الموصل. وكان ذلك سبب الوحشة التي وقعت بينه وبين بيبرس واقتضت قتل الملك المظفر قطز سريعا.
كانت النتيجة النهائية لهذه المعركة هي توحيد الشام ومصر تحت حكم سلطان المماليك على مدى ما يزيد عن نحو مئتين وسبعين سنة حتى قام العثمانيون بالسيطرة على أراضيهم في عهد سليم الأول.
[عدل] المغول
يعد المؤرخون هذه المعركة ونتائجها بداية النهاية للإمبراطورية المغولية إذ لم يهزموا في معركة قط قبلها. كان بركة خان زعيم القبيلة الذهبية في روسيا وابن عم هولاكو خان قد أعلن إسلامه أيام الغزو المغولي لبلاد المسلمين وكان قد تأثر كثيرا لسقوط الدولة العباسية (دولة الخلافة الإسلامية) على يد ابن عمه وكان يتحين الفرصة للانتقام من هولاكو خان. قام بيركي أو بركة خان - بعد أن تحالف مع السلطان المملوكي الظاهر بيبرس - بتجهيز جيوشه واتجه جنوبا نحو هولاكو الذي عاد من بلاد الشام، وهُزِم هولاكو هزائم كبيرة من قبل جيوش بيركي ولم يتمكن من مقاومته. تذكر بعض المصادر أن هولاكو لم يستطع إرسال كامل جيشه للشام للإنتقام من هزيمة جيشه بعين جالوت بسبب بركة خان, فقد أرسل جيشا إلى بلاد الشام ليستعيدها بقيادة إبنه "يشموط" إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، حيث كان قد أقام حفلا وكان في حالة ثمالة فانتهز جند بيبرس هذه الفرصة فانقضوا على معسكرهم وأفنوهم عن كاملهم وتركوا بعضهم لينقلوا خبر الهزيمة إلى هولاكو ومعهم رأس ابنه فما كان من هولاكو إلا أن قتل بقية الناجين من المذبحة. دانت أغلب المناطق الشمالية من الإمبراطورية المغولية لبركة خان واستمرت سلالته وهي القبيلة الذهبية في حكم في روسيا واواسط آسيا لمدة تزيد عن الـ200 عاما. أما سلالة هولاكو وهي إلخانات فحكمت لمدة 91 سنة حتى سقوطها عام 1351 م.
خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة.
البداية
اجتاح المغول العالم الإسلامي في بدايات القرن السابع الهجري بقيادة جنكيز خان وكان من أول ما واجهوا في طريقهم دولة الخوارزميين في بلاد فارس وما وراء النهرين، فاكتسحوها وخربوا فيها مدنا وقتلوا خلقا كثيرا، بعد ذلك حكم مونكو خان إمبرطورية المغول عام 1251 م فكان الفعل مشابها تماما في الدولة العباسية. انطلق بعدها المغول بجيش ضخم قوامه 120 ألف مقاتل نحو الشام بقيادة هولاكو معه حلفاؤه من أمراء جورجيا وأرمينيا[1] وابتدؤوا بمدينة ميافارقين بديار بكر والتي كان يحكمها الكامل محمد الأيوبي، قاومت ميافارقين المغول مقاومة عنيفة إذ استمد طول الحصار إلى عامين حتى استسلم أهلها بعد نفاذ المؤن وموت معظم السكان وعدم وصول الدعم من المسلمين فدخلوها وارتكبوا مجازرا تقشعر منه الجلود حيث قبضوا على الكامل محمد الأيوبي وقطعوا جلده وأعطوه له ليأكله إلى أن مات فقطعوا رأسه وحملوه على أسنة رماحهم تشفيا وانتقاما منه لصموده وبطولته.
اتجه المغول بعدها لمدينة حلب فدخلوها بعد حصارها وعاثوا فيها فسادا خلال 7 أيام ثم توجهوا نحو دمشق (في مارس 1260 م/658هـ) -وفي هذا الوقت- وصل بالبريد خبر موت الخاقان الأعظم للمغول منكو خان في قراقورم واستدعي أولاد وأحفاد جنكيز خان إلى مجلس الشورى المغولي (الكوريل تاي Kuriltai) لانتخاب الخان الأعظم الجديد للإمبراطورية؛ فرجع هولاكو (الذي هو أخو منكو خان) وأحد المؤهّلين للعرش بمعظم جيشه إلى فارس، ليتابع أمور العاصمة المغولية، وترك في بلاد الشام جيشاً من المغول عدده يزيد على عشرين ألف جندي (تومانين بلغة المغول) بقيادة أحد أبرز ضباطه واسمه كتبغا نوين النسطوري وهو قائد عسكري محنك من قبيلة النايمان التركية. دخل كتبغا بجيشه دمشق في 1 مارس 1260 م/15 ربيع الأول 658 هـ بعد أن أعطوا الأمان لأهلها ولكنهم خربوها وكان حاكمها الناصر يوسف الأيوبي.انطلق المغول بعد السيطرة على دمشق جنوبا في بلاد الشام حتى استولوا على بيت المقدس وغزة والكرك والشوبك بعد أن تحالف حاكمها المغيث عمر مع المغول.
كان يحكم دولة المماليك في ذاك الوقت المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك وهو صبي صغير يبلغ من العمر 15 سنة، قام السلطان المظفر سيف الدين قطز - وهو من المماليك البحرية- بخلعه بعد إقناع بقية أمراء ووجهاء الدولة بأنه فعل ذلك للتجهيز والتوحد ضد الخطر المحدق بالدولة المملوكية بشكل خاص والمسلمين بشكل عام. كان الوضع النفسي للمسلمين سيئا للغاية وكان الخوف من التتار مستشريا في جميع طبقات المجتمع الإسلامي وقد أدرك قطز ذلك وعمل على رفع الروح المعنوية لدى المسلمين. استمال قطز منافسيه السياسيين في بلاد الشام وحاول ضمهم إلى صفوفه وكان ممن انضم معه بيبرس البندقداري الذي كان له دور كبير في قتال التتار فيما بعد.
ماقبل المعركة
قبل مغادرة هولاكو من بلاد الشام أرسل رسلا لقطز يحملون كتابا كان مما فيه
«مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ.. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم. فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم [2]»
عقد سيف الدين قطز اجتماعا مع وجهاء الدولة وعلمائها كان من بينهم العز بن عبد السلام وتم الاتفاق على التوجه لقتال التتر إذ لا مجال لمداهنتهم، وكان العز بن عبد السلام قد أمر أمراء ووجهاء الدولة أن يتقدموا بنفائس أملاكهم لدعم مسيرة الجيش الإسلامي فطلب قطز الأمراء وتكلم معهم في الرحيل فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل، ولما وجد منهم هذا التخاذل والتهاون ألقى كلمته المأثورة «يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين». وقد اختلى قطز ببيرس البندقداري الذي كان أمير الأمراء واستشاره في الموضوع. فأشار عليه بقتل الرسل، والذهاب إلى كتبغا متضامنين. فإن انتصرنا أو هزمنا، فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين. فاستصوب قطز هذا الكلام، وقام بقتل رسل المغول[3] لإيصال رغبته في قتالهم وأنه جاد بذلك. وقد زاد من عزيمة المسلمين وصول رسالة من صارم الدين أزبك بن عبد الله الأشرفي -وقد وقع أسيرا في يد المغول إثناء غزوهم الشام ثم قبل الخدمة في صفوفهم- أوضح لهم فيها قلة عددهم وشجعهم على قتالهم وأن لايخافوا منهم[4]. فلا شك أن قطز قد أفاد من رحيل هولاكو إلى فارس على رأس معظم جيشه بعد سماعه بوفاة أخيه الخان الأعظم، فمن تبقى بالشام من عساكر المغول تحت قيادة كتبغا يتراوح ما بين 10آلاف إلى 20 ألف رجل[5].
موقف الصليبيين
حاول المغول عبر كتبغا النسطوري التحالف مع مملكة بيت المقدس الصليبية ولكن بابا الفاتيكان منع وحرم التحالف مع المغول. ثم أتت حادثة قتل ابن أخي كتبغا بواسطة الفرسان الصليبين بصيدا فاكتسح صيدا عقابا على ذلك. أما الصليبيون في عكا فقد اتجه قطز إلى مسالمتهم ومهادنتهم, واستأذنهم بعبور جيشه الأراضي التي يحتلونها وطلب منهم الوقوف على الحياد[4] من الحرب ما بين المماليك والمغول. وأقسم لهم انه متى تبعه فارس منهم أو رجل يريد أذى عسكر المسلمين إلا رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتر[6] إلا إن الصليبيين سلموا بأن المسألة هي مسألة وقت ثم يكتسحهم المغول ويدمرونهم كما دمروا غيرهم, فلذلك غضوا الطرف على عبور المماليك أراضيهم ولم يتصدوا لهم. وقد بر على مابدى اولئك الصليبيين بوعدهم فلم يغدروا بالمعسكر الإسلامي من الخلف[7]. في 15 شعبان 658هـ/أغسطس 1260 م خرج قطز يسبقه بيبرس البندقداري ليكشف أخبار المغول. واجهت سرية بيبرس طلائع جنود المغول في منطقة قرب غزة، كان قائد المغول في غزة هو بايدر أخو كتبغا الذي أرسل له كتابا يعلمه فيه بتحرك المسلمين، أخذ بيبرس في مناوشة وقتال المغول حتى انتصر عليهم. اتجه بعدها قطز إلى غزة ومنها عن طريق الساحل إلى شمال فلسطين. في تلك الأثناء اجتمع كتبغا الذي كان في بعلبك بالبقاع مع وجهاء جيشه، فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يعود سيده هولاكو خان[8]، ومنهم من أشار إليه -اعتمادا على قوة المغول التي لا تقهر- أن ينطلق لقتالهم. اختار كتبغا أن يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق باتجاه جيش المسلمين حتى لاقاهم في المكان الذي يعرف باسم عين جالوت.
المعركة
التقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 رمضان 658 هـ/3 سبتمبر 1260 م (وقت وصول الجيشين تماما مختلف فيه). قام سيف الدين قطز بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس وبقية الجيش يختبئ بين التلال وفي الوديان المجاورة كقوات دعم أو لتنفيذ هجوم مضاد أو معاكس. وكان قطز قد اجتمع بالإمراء، فحضهم على قتال التتار وذكرهم بما وقع بأهل الأقاليم من القتل والسبي والحريق، وخوفهم وقوع مثل ذلك، وحضهم على استنقاذ الشام من التتار ونصرة الإسلام والمسلمين، فضجوا بالبكاء، وتحالفوا على الإجتهاد في قتال التتار ودفعهم عن البلاد[5].
قامت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس بهجوم سريع ثم إنسحبت متظاهرة بانهزام مزيف هدفه سحب خيالة المغول إلى الكمين، في حين كان قطز قد حشد جيشه استعدادا لهجوم مضاد كاسح، ومعه قوات الخيالة الفرسان الكامنين فوق الوادي.
وانطلت الحيلة على كتبغا فحمل بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين واخترقه وبدأت المقدمة في التراجع إلى داخل الكمين، وفي تلك الأثناء خرج قطز وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة قوات كتبغا، حيث كانت جيوش المسلمين ينزلون من فوق تلال الجليل، والمغول يصعدون إليهم. ثم هجم كتبغا بعنف شديد إلى درجة أن مقدمة جيش المسلمين ازيحت جانبا، فاستبسل كتبغا في القتال، فاندحر جناح ميسرة عسكر المسلمين وإن ثبت الصدر والميمنة[9]، وعندئذ ألقى السلطان قطز خوذته عن رأسه إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته «واإسلاماه»، وحمل بنفسه وبمن معه حتى استطاعوا ان يشقوا طريقهم داخل الجيوش المغولية مما أصابها بالإضطراب والتفكك[10]. ولم يمض كثيرا من الوقت حتى هزم الجيش المغولي ونصح بعض القادة كتبغا بالفرار فأبى الهوان والذل وقتل بعض أصحابه وجرت بينه وبين رجل يدعى العرينان مبارزة حيث لم يمض وقت طويل عليها حتى سقط كتبغا صريعا مجندلا على الأرض وكان انتصار كبير للمسلمين. وسجل التاريخ في هذه المعركة تمكن فرسان الخيالة الثقيلة لجيش المسلمين من هزيمة نظرائهم المغول بشكل واضح في القتال القريب، وذلك لم يُشهد لأحد غيرهم من قبل. نقطة أخرى ظهرت لأول مرة بتلك المعركة وهي المدفعية وإن كانت بالشكل البدائي إلا إنها استخدمت بالمعركة من جانب الجيش المملوكي لتخويف خيل المغول وارباك الخيالة مما ساعد في خلخلة التنظيم العسكري المغولي بالمعركة. وقد تم شرح تركيبة البارود المتفجرة لتلك المدافع بعد ذلك في الكيمياء العربية والكتيبات العسكرية في أوائل القرن الرابع عشر[11][12].
[عدل] ما بعد المعركة
[عدل] المماليك
بعد المعركة قام ولاة المغول في الشام بالهرب، فدخل قطز دمشق في 27 رمضان 658 هـ، وبدأ في إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية، وتعيين ولاة لها. وأستأمن الأشرف صاحب حمص وكان مع التتار وقد جعله هولاكو خان نائباً على الشام كله، فأمنه الملك المظفر، ورد إليه حمص، وكذلك رد حماة إلى المنصور وزاده المعرة وغيرها. وأطلق سلمية للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتبع الأمير بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان المغول يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان. فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم، ويستفكّون الأسارى من أيديهم[8]. وكان قطز قد أرسل بيبرس البندقداري ليطرد المغول عن حلب ويتسلمها ووعده بنيابتها، فلما طردهم عنها وأخرجهم منها استناب قطز عليها غيره وهو علاء الدين ابن صاحب الموصل. وكان ذلك سبب الوحشة التي وقعت بينه وبين بيبرس واقتضت قتل الملك المظفر قطز سريعا.
كانت النتيجة النهائية لهذه المعركة هي توحيد الشام ومصر تحت حكم سلطان المماليك على مدى ما يزيد عن نحو مئتين وسبعين سنة حتى قام العثمانيون بالسيطرة على أراضيهم في عهد سليم الأول.
[عدل] المغول
يعد المؤرخون هذه المعركة ونتائجها بداية النهاية للإمبراطورية المغولية إذ لم يهزموا في معركة قط قبلها. كان بركة خان زعيم القبيلة الذهبية في روسيا وابن عم هولاكو خان قد أعلن إسلامه أيام الغزو المغولي لبلاد المسلمين وكان قد تأثر كثيرا لسقوط الدولة العباسية (دولة الخلافة الإسلامية) على يد ابن عمه وكان يتحين الفرصة للانتقام من هولاكو خان. قام بيركي أو بركة خان - بعد أن تحالف مع السلطان المملوكي الظاهر بيبرس - بتجهيز جيوشه واتجه جنوبا نحو هولاكو الذي عاد من بلاد الشام، وهُزِم هولاكو هزائم كبيرة من قبل جيوش بيركي ولم يتمكن من مقاومته. تذكر بعض المصادر أن هولاكو لم يستطع إرسال كامل جيشه للشام للإنتقام من هزيمة جيشه بعين جالوت بسبب بركة خان, فقد أرسل جيشا إلى بلاد الشام ليستعيدها بقيادة إبنه "يشموط" إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، حيث كان قد أقام حفلا وكان في حالة ثمالة فانتهز جند بيبرس هذه الفرصة فانقضوا على معسكرهم وأفنوهم عن كاملهم وتركوا بعضهم لينقلوا خبر الهزيمة إلى هولاكو ومعهم رأس ابنه فما كان من هولاكو إلا أن قتل بقية الناجين من المذبحة. دانت أغلب المناطق الشمالية من الإمبراطورية المغولية لبركة خان واستمرت سلالته وهي القبيلة الذهبية في حكم في روسيا واواسط آسيا لمدة تزيد عن الـ200 عاما. أما سلالة هولاكو وهي إلخانات فحكمت لمدة 91 سنة حتى سقوطها عام 1351 م.
خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة.